دومة الجندل كان يطلق عليها في العصور الآشورية “أدوماتو”، وفي التوراة “دومة”، وفي جغرافية بطليموس “١Adomatho” “Doumatha”، وأما في المصادر العربية فهي “دومة الجندل”، نسبة إلى دوم “أو دومان أو دما أو دوماء” بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام٢ وعلى أي حال فقد نسبت إلى الجندل؛ لأن حصنها مبني بالجندل وهو الصخر، وهي في رأي “السكوني” حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبلي طيئ، كانت به بنو كنانة من كلب.
ودومة أو دومة الجندل، واحة آدوم الكبيرة، وتقع على مبعدة، ٤٠٠ كيلو متر إلى الشرق من البتراء عصامة الأنباط٤، على حافة النفود الكبير، ومن ثم فقد كانت ذات أهمية كبيرة في التاريخ القديم، إذ كانت تعتبر بمثابة قلعة الجزيرة العربية الشمالية في وجه المهاجمين من الشمال والشمال الشرقي، وإذا ما سقطت دومة الجندل تساقطت بالتالي باقي المدن المجاورة.
ونقرأ في حوليات العاهل الآشوري “تجلات بلاسر الثالث “التي عثر عليها في “كالح” عن جزية من “زبيبي” ملكة بلاد العرب، التي يرى “ألويس موسل” أن مقرها إنما كان في “دومة الجندل”، كما نقرأ في نقوش الملك “إسرحدون” “٦٨٠٦٦٩ق. م” أن أباه “سنحريب” “٥٠٧-٦٨١ق. م” قد أخضع أدوماتو “أدمو Adumu”” حوالي عام ٦٨٨ق. م، وأخذ أصنامها إلى عاصمته، والأمر كذلك بالنسبة إلى الأمير “تاربي” “تبؤة” “Tabua”، وكانت ملكة دومة الجندل “تلخونو” “تعلخونو” قد امتد سلطانها حتى حدود بابل، ثم وقفت بجانب الثوار البابليين ضد “سنحريب” “٧٠٥-٦٨١ق. م” ومن ثم فإن العاهل البابلي ما أن انتهى من القضاء على الثورة، حتى اته إلى دومة الجندل وفرض الحصار عليها، وهناك ما يشير إلى أن خلافا قد حدث بين الملكة وبين حزائيل -سيد قبيلة قيدار- الذي تولى قيادة الجيوش ضد سنحريب، مما أدى إلى استسلام الملكة وفرار حزائيل إلى البادية، فضلا عن أسر الأميرة تبؤة وأخذها إلى بابل، تمهيدًا لإعدادها لتكون ملكة على قومها، تعمل بأمر آشور، وتنفذ سياسة ملوكها فيما يختص بالأعراب، غير أن آمال الآشوريين في الملكة الجديدة قد خابت، فما أن يتم تعيينها ملكة على دومة الجندل حتى تفشل في مهمتها، ولعل السبب في ذلك إنما يرجع إلى العداء الدفين بين العرب والآشوريين، والذي ما كان في استطاعة تبؤة القضاء عليه.
وعلى أي حلال، فيبدو أن دومة الجندل كانت في هذه الفترة مركزًا دينيًّا مهما للقبائل العربية، كما أن هذه المنطقة قد عرفت في هذه الفترة حكم الملكات اللآتي كن يجمعن بين السلطتين الدينية والزمنية، ولعل أشهرهن زبيبه “زبيبي” وشمسي وتعلخونو وتبؤة.
وفي العهد البابلي خضعت دومة الجندل للملك نبونيد، وكما أشرنا من قبل، فلقد جرد الملك البابلي في العام الثالث من حكمه على المدينة واحتلها.
هذا وتشير المراجع العربية إلى دومة الجندل إنما كانت مدينة محصنة بسور، في داخله حصن منيع، يقال له “مارد”، نسبة البعض-طبقًا للروايات التقليدية- إلى سليمان عليه السلام، ونسبه آخرون إلى “أكيدر الملك بن عبد الملك السكوني”، وهو يهودي على رأي، وعربي من كندة على رأي آخر، وعلى أي حال، فإن الحصن على ما يبدو قد بني قبيل الثالث الميلادي؛ لأسباب منها صلة السكونيين بكندة، ومنها أن الحصن يشتمل في بعض أجزائه على نقوش نبطية- والأنباط كما نعرف قد انتهت دولتهم في عام ١٠٦م -ومع ذلك فالحصن ليس من عمل فرد واحد، ولا من فترة واحدة، وإنما من فترات متعاقبة، لعل آخرها منذ نصف قرن فقط.
وهناك في المصادر العربية ما يشير إلى أن سكان دومة الجندل، إنما كانوا أصحاب نخل وزرع، يسقون على النواضح، وزرعهم الشعير، وكان في بلدهم سوق يبدأ في أول يوم من شهر ربيع الأول، وينتهي في النصف منه، هذا وقد كانت تسكن دومة قبل الإسلام قبائل كلب وجديلة وطيئ، كما كما يتنازع السلطان فيها “الأكيدر” و”قنافة الكلبي” الذي كان يتولى الأمر فيها، حين تكون الغلبة من نصيب الغساسنة، مما يدل على التنافس بين كندة وبني غسان على الطريق التجاري٣، “وكانت مبايعة العرب في دومة إلقاء الحجارة، وذلك أنه ربما اجتمع على السلعة النفر، يساومون بها صاحبها، فأيهم رضي ألقى حجره، فربما اتفق في السلعة الرهط، فلا يجدون بدا من أن يشتركوا وهم كارهون، وربما اتفقوا فالقوا الحجارة جميعًا إذا كانوا عددًا على أمر بينهم، فوكسوا صاحب السلعة إذا طابقوا عليه”.
المراجع :
كتاب آثار الجوف
الكتاب: دراسات في تاريخ العرب القديم
المؤلف: محمد بيومى مهران
الناشر: دار المعرفة الجامعية