بقلم / عبدالعزيز الماجد:
صحيفة أخبار الشمال
تحدث المفكر الألماني (هيغل) عن صيرورة التاريخ بقوله أن حركة التاريخ حركة جبرية تسير في اتجاه واحد ولا علاقة للأفراد بصناعته أو تغييره؟
إلا أن مفكرون آخرون خالفوه الرأي مؤكدين على أن هناك أفراد قادرون على صناعة التاريخ وتغيير وجهته إن على المستوى السلبي أو الإيجابي.
ولكن السؤال كيف يمكن للأفراد أن يصنعوا التاريخ؟
والإجابة هي أن كل فرد يتطلع أو ينظر إلى مستقبل مشرق ومزدهر سيأتي هذا المستقبل ويذهب ليكون تاريخ تتداوله الأجيال جيل بعد جيل، وبذلك يكون قد صنع التاريخ.
كما قال المفكر الروسي (بيغانوف) أن الرجل العظيم لا يعد عظيما إذا ما عاش عصره قابعا خلف صفاته لشخصية الموروثة بل إن العظيم هو القادر على اكتشاف حاجات عصره ومجتمعه وتطلعه إلى مستقبل يواكب العصر والنهضة والتقدم الذي وصل إليه غيره والتعامل بما يقتضي ذلك.
وفي قصة (لأمين الريحاني) تحدث فيها عن المغفور له بإذن الله الملك (عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود) عندما ذهب لأول مرة إلى قصر الحكم في حي المربع بالعاصمة (الرياض) لا حظ بأن البناء قد كتب على مدخل القصر الأبيات الشعرية التي يقول فيها:
لسنا وإن كرمت أوائلنا *** يوما على الأنساب نتكلوا
نبني كما كانت أوائلنا تبني *** ونفعل مثلما فعلوا
فقال الملك عبد العزيز يرحمة الله بسرعة بديهته غير الشطر الأخير ليصبح:
نبني كما كانت أوائلنا تبنى *** ونفعل فوق ما فعلوا
وقد يكون لهذا الأساس والعمق في النظر إلى بناء المستقل بشكل أفضل مما خلفه الإباء والأجداد هو منبع حديثنا عن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يصنع تاريخا مغايرا للمملكة. وبعيدًا عن صفاته الشخصية الفذة فالحديث عنه هو حديث عن حقبة زمنيه نعاصرها اليوم وقد تولى سموه زمام قيادتها بعد أن عقد العزم بكل حزم وإصرار وتحدي على تغيير واقع مملكتنا الغالية على كافة المستويات ومختلف الأصعدة كما لم يعهدها العالم من قبل مرتكزا في ذلك على عنوان رئيسي لا يمكن التفاوض عليه أو المساس به أيا كانت الظروف والمبررات وهو (مصالح السعودية وسيادتها واستقلالها وامن ورفاه شعبها أولا وأخيرا) شاء من شاء وأبى من أبى.
بالرغم من أنه كان قادرًا على أن يعيش حياته ويبني أمجاده على ما ورثه عن أبائه وأجداده ممن سبقوه فمن ولي عهد إلى حاكم مستقبلي بعد عمر طويل لمقام مولاي خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله-، ويتماهى مع الأمر مثله مثل جميع من تربعوا على عرش قيادة المملكة خلال العشر عقود الماضية، خاصة وأنه سيحكم دولة تكتنز العديد من المزايا والمغريات فعدا أنها قبلة لمسلمي العالم من أقصاه إلى إدناه بوجود الحرمين الشريفين فهي أكبر دول العالم في مجال إنتاج وتصدير الطاقة بالإضافة لثروات طائلة يتمناها كل حاكم لأي دولة كانت، والأهم من كل ذلك هو موقعها الاستراتيجي الذي منحها أهمية وقوة جيوسياسية هائلة كونها محاطه بثمان دول عربية والكثير الكثير مما تتمتع به مملكتنا الغالية بالقدر الذي لا يجعله يفكر بغير ذلك؟ إلا أن سموه لم يلتفت لهذه المغريات وقرر أن يسلك طريقا صعب ووعر ومليء بالمعوقات والأخطار من خلال إطلاقه لرؤية مستقبلية (2030) ستضع المملكة العربية السعودية في المكانة التي تستحقها على خارطة العالم، رغم ما ينطوي على ذلك من ضغوط وتهديد ووعيد من قوى عظمى عالمية تعلم جيدا أن مثل هذا التوجه سيؤثر على مصالحها ويقلل من نفوذها بالمنطقة ويحد من سطوتها وهيمنتها على ثروات العالم والتحكم بمصائرها؟
لكن كل ذلك لم يشكل له عائقا ولم يمنعه من اعلان رؤيته مراهنا في ذلك على الشعب السعودي الذي يشكل نسبة 70% منه شباب متحمس ومبدع ومعطاء قادر بقيادته الحكيمة ان ينهض بمملكتنا ويعزز من مكانتها وقدرها بين دول العالم.
وعن صيرورة التاريخ نعود بالحديث الى ما ذكره المفكر الألماني (هيغل) بأن أي تغيير يحدث في شبه الجزيرة العربية سيغير وجه العالم بأكمله، وقد شهد التاريخ على ذلك فقبل الف واربعمائة عام من الأن كانت الجزيرة العربية منبعاً لهذا التغيير الذي غير وجه العالم قاطبا.
المهم في الأمر أن يعي من يسيء ويهاجم المملكة في كل امر تقوم به انه كما أن الاضطرابات والصراعات والفوضى عدوى تصيب المحيط الجغرافي لأي بلد تحدث به؟
كذلك فإن النهضة والتقدم والنجاح عدوى ستصيب دون أدني شك كل المحيط الجغرافي للمملكة ودول الجوار.
ولعل مايؤكد هذا التصور ما ذكره سمو ولي العهد في أحد لقاءاته المتلفزة حيث قال ما نصه (معركة تغيير وجه الشرق الأوسط هي معركتي الشخصية ولن يحول بيني وبينها الا الموت) اطال الله بعمره ما يؤكد جديته بهذا الشأن الذي بدت ملامحه تظهر تباعا بالنظر الى ما يحدث على ارض الواقع.
وها نحن اليوم نشهد ويشهد والعالم بوادر هذا التغيير الذي بات واقعا يتم العمل عليه بكل جد واجتهاد بقيادة شاب متحمس وطموح ويتطلع الى مستقبل مزدهر يضع المملكة في المكانة التي يجب ان تكون فيها كدولة متقدمة وحضارية تقف في مصاف الدول العظمى التي لها كلمتها المسموعة ونفوذها المؤثر واقتصادها القوي.
واننا اذ نؤكد كشعب سعودي وقوفنا ودعمنا وتأييدنا لسموه صفا واحدا خلفه نعمل على نجاح رؤيته وتعزيز مساراتها لتحقيق التطلعات والآمال في بناء وطن مزدهر على كافة الأصعدة.
بارك الله جهوده ووفقه وسدد خطاه الى كل ما فيه رفعة وعزة وامن واستقرار هذا الوطن العظيم… سائلين المولى العلي القدير ان يحفظ مليكنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ويمده بالصحة والعافية وأن يحفظ امن بلادنا واستقراره ويرد كيد اعداءه في نحورهم – انه سميع مجيب الدعاء .
@abdulazez_almagid
