عبدالعزيز الماجد/أخبار الشمال
هذه واحده من القصص المؤثرة التي جاءت في مقدمة كتابي (السعودية العظمى.. ما بين تحولات تاريخية/وسياسات مغايرة) والمفسوح اعلاميا برقم الإيداع ١٤٤٥/٣٢٧٨ وتتمحور أحداثها في الحب والإخلاص والوفاء للوطن وأهله وبذل الروح في سبيل الذود عنه، وتتلخص فيما روي عن طفل يعيش في إحدى دول العالم الواقعة على البحار والتي وجدت نفسها مضطرة بسبب هذا الموقع إلى تشييد السدود الحجرية بهدف صد موجات البحر المتلاطمة عن السكان خصوصا أولئك الذين طالما عانوا من الأمواج وهجمات المياه التي دائما ما باغتتهم، وكان التفقد المستمر للسدود والمسارعة لتلافي أية ثغرة تحصل فيها يعتبر مهمة أساسية لا يمكن التفريط بها على أي حال وإلا فإنه الهلاك المحتوم.
وفي يوم من أيام تلك الدولة جاء الطفل الصغير بطل قصتنا والذي لم يتجاوز العاشرة من عمره متجولا قبل الغروب عند احد السدود ليلاحظ أن هناك تسربا للماء من فتحة صغيرة تم اختراقها نتيجة تدفق المياه وقوته، فنظر الطفل حوله وكان الظلام قد بدأ إسدال ستاره ولم يكن حوله من أحد ممكن أن يسمعه لو فكر بالاستغاثة وطلب النجدة، فاستيقظ حسه وشعر بالخطر الجسيم الذي ربما سيحدث لو أن هذه الفتحة لم تسد ، وربما كان الأمر ابسط مما تصوره الصغير ولكن روح الالتزام أبت عليه مغادرة المكان، ووقف حائرا ما الذي بإمكانه أن يقوم به خاصة وأن الظلام قد خيم على الأجواء تماما، إلى أن خطرت بباله فكرة بسيطة جدا، وهي أن يمد يده تجاه الفتحة التي يتدفق منها الماء، والتي كانت بحجم قبضته الصغيرة تماما فأصبح يزيد من إقحام يده داخل الفتحة قدر استطاعته إلى أن توقف تدفق المياه فأبتسم الصغير وغمرت السعادة قلبه بعد أن شعر بأنه يشارك في الدفاع عن أمته ضد خطر الأمواج والغرق، فتكور الطفل على نفسه والبرد يزداد شدة ويده تكاد أن تتجمد بالتدريج من برودة المياه بالإضافة إلى برودة الجو، ومضت الساعات والطفل في موقعه لم يبرحه، وطال الوقت ولم يأتي أحد لتفقده ونتيجة لغيابه الطويل انشغل أهله عليه، ومع بداية خيوط الفجر حظروا حراس الشاطئ ليلاحظوا وجود طفل صغير وقد دفع بيده وذراعه بأقصى ما يستطيع في فتحة كانت تتسرب منها المياه حتى أنه لا يمكن لقطرة مياه واحدة أن تمر، فذهل الحراس من فعل هذا الطفل إلا انه هالهم منظر وجهه الشاحب، فسارع أحدهم إليه ليضع يده على وجهه فإذا به يرتد مذعورا فقد اكتشف بأن الطفل متجمدا من البرد وقد انطفأت فيه شعلة الحياة، فتوفي بمكانه الذي لم يبرحه، ولكن كانت ترتسم على محياه إمارات الرضا والسعادة، وتزينه ابتسامة وديعة على وجهه الملائكي تترجم نفسها بالقول لمن بعده “ها أنا قد مت من أجل أن أهب لوطني الحياة“.
__________________________
ما أعظم هذا الطفل وما أروع وفائه وحبه للوطن..
وكاني بأباه المكلوم ينعيه قائلا “طب خاطرا بني فليس هناك ما هو أحقُّ من الوطن في الحصول على أرواحنا… أرقد بسلام ليعيش العالم بسلام عندما يتغلغل حب الوطن في نفوس البشر.
ولو أن المتنبي قد حضر موته وعرف فعله لقال فيه:
هذا الذي نظر الأعمى لفعله ☆☆ وأسمع بموته من به صممُ
على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ ☆☆ وتأتي على قدرِ الكرامِ المكـــــارمُ
وتعظمُ في عينِ الصغيرِ صغارها ☆☆ وتصغر في عينِ العــــظيمِ العظائمُ
لله دره ☆☆☆